مهنة الساعاتي

لطالما لفت انتباهي بانهماكه فوق طاولته الخشبية الصغيرة،وقد حشد عليها عشرات الساعات و مئات من قطعها الصغيرة مع بعض من المفكات الرفيعة،و بعد أن يلصق بعينه اليمنى مكبرا أسود صغيرا، ينكب على طاولته ليغوص في عوالم ساعة يد نسائية رقيقة،يبحر في أحشائها بأنامله المبدعة و بحرفية عالية تتلمس العطل وتعيد ضبط "تكتكاتها"مع نبضات قلبه،الذي أخلص لمهنته وأحبها منذ أن كان في العشرين من عمره.
"أبو عبدو الحصري"يشارف اليوم على السبعينات من عمره،يمارس عمله "كساعاتي" منذ ستينات القرن الماضي في محله الشهير في ساحة محافظة دمشق،يقول عن كيفية احترافه لهذه المهنة"اخترت العمل في هذه المصلحة لأنها ممتعة وتحتاج إلى تشغيل مخ،فهي ليست حرفة سهلة بل على العكس تحتاج إلى مهارة كبيرة ودقة خاصة في تلك الأيام التي كانت الساعات فيها تصنع باليد وبحرفية كبيرة سواء كانت تعمل بالميكانيك أو بالربط.على العكس من ساعات اليوم الرخيصة الصنع و الثمن".وعن كيفية تعلمه لأصول المهنة يقول أبوعبدو "بداية لم أكن أعمل بيدي بل قمت بإحضار عمال يعرفون المهنة و يمارسونها،فكنت أنا مجرد صاحب للعمل.ولكن الفضول وحبي لمزاولة هذه المهنة دفعاني إلى تعلم أصولها لوحدي،حيث كنت أراقب العمال خلال عملهم طوال النهار و من ثم أنتظر ذهابهم في فترة الظهيرة للاستراحة،فأغلق المحل وأبدا في فك الساعات و محاولة اصلاجها بنفسي حتى أتقنت العمل تماما و أصبحت أقوم به بنفسي".
أبو عبدو و خلال أربعين عاما قضاها في محله الصغير،ما فتئ يبعثر أشلاء الساعات و يعيد تركيبها وسط غابة من قطع الساعات المتناثرة فوق مائدة التصليح،لا يريحه سوى سماع نبض ساعة قد طال بها الصمت كثيرا يقول"أجد متعة كبيرة بتصليح الساعة التي تتطلب تركيزا عاليا وبراعة متميزة لألتقط مكان العطل وتعود بالتالي إلى العمل.خاصة إذا كانت الساعة من الماركات النادرة أو من التي يصعب على الكثير من المصلحين إصلاحها وعودة الحياة إليها ثانية.مهنة الساعاتي ليست بالمهنة العادية أو السهلة،أنها تتطلب دقة و تركيزا عاليين لمعرفة مكمن العطل وإصلاحه.اليوم مع الأسف كل من يبدل بطارية ساعة يطلق على نفسه لقب ساعاتي".
"ساعات ساعات بحب عمري و بعشق الحياة":
تعتبر مهنة الساعاتي من المهن الفنية القديمة في دمشق،والتي غالبا ما توارثها السوريون أبا عن جد أو احترفوها من خلال عملهم كأجراء لدى الساعاتيين.وظهرت محلات "الساعاتية"،كما تسمى اصطلاحا،على نطاق ضيق في أواخر العشرينات،أيام الاحتلال الفرنسي حيث كانت الساعات في ذلك الوقت باهظة الثمن و لا يرتديها إلا المقتدرون.فكانت ساعات الجيب،الكبيرة الحجم نسبيا والتي تتدلى من سلسلة معدنية تعلق بعروة ياقة السترة وتوضع في جيبها الأعلى الصغير،هي السمة الأبرز لرجالات ذلك العصر.حيث كانت تميل معظم الشخصيات المعروفة في الماضي إلى ساعات الجيب نظرا للهيبة التي تضفيها على حاملها والمظهر اللافت وخصوصا عندما تكون ألوانها ذهبية أو مطلية بالذهب.عن ساعات الجيب يقول العم أبو عبدو"لساعة الجيب خصوصية و نكهة مختلفة عن غيرها من الساعات.صحيح أن جوهر عمل الساعات واحد،ولكن لساعات الجيب طعم أخر،فنوع الساعة وقيمتها تدل على مساحة اليسر الذي يتمتع به حاملها،كما أن تدليها من جيب صاحبها يمنحه مظهرا خاصا،لكونها كانت تخبئ في جيب خاص بالقرب من القلب وتدلى سلسلتها للدلالة عليها.ولكن مع الأسف فهي حالها حال الكثير من الأشياء الراقية و الجميلة التي اختفت من حياتنا اليوم".
و عقارب الزمن التي لا تعرف التوقف،لم تُبعد فقط ساعات الجيوب عن القلوب،بل طالت أيضا جدران البيوت التي كانت تزدان بساعات حائطية خشبية معروفة ببندولها النحاسي الراقص والتي كانت معلما أساسيا في معظم بيوت الخمسينات و الستينات من القرن الماضي،يقول أبو عبدو"لم يكن هناك بيت دمشقي يخلو من تلك الساعات الحائطية.حيث كانت دقاتها الاثنتي عشر تسمع بوقت واحد في معظم البيوت الدمشقية ولكنها اليوم شارفت على الاندثار لصالح ساعات أخرى بلاستيكية أو معدنية في أحسن الأحوال...في الماضي كانت الساعة الخشبية تعد تحفة فنية تزين صالون البيت يحرص الكثيرون على اقتنائها،أما اليوم فهي مجرد قطعة من البلاستيك تخرج كهدية من علب الصابون ومكانها المطبخ في أغلب الأحيان!!!!".
وعن ذكريات الماضي يقول أبو عبدو "ذات مرة،دخل محلي مهندس ألماني يعمل في شركة أجنبية ويحمل معه ساعة حائط خشبية قديمة و سألني إن كنت استطيع اصلاجها...تفحصت الساعة وطلبت مبلغ مئتي ليرة لإصلاحها –بالطبع قبل ثلاثين عاما كان هذا مبلغا كبيرا جدا –فقبل فطلبت منه مهلة يومين. وبالفعل عاد بعد يومين،ليجد عقارب الساعة تعمل بانتظام كضربات القلب،فرح جدا و طلب مني أن أخبره كيف استطعت إصلاحها رغم أن الكثيرين قبلي فشلوا في ذلك،فعدت و طلبت مئة ليرة إضافية لأخبره فوافق فأريته أدواتي التي استخدمتها و هي عبارة عن مفك صغير و ملقط و فرشاة،فاستغرب جدا و أبدى دهشته كيف استطعت إصلاح الساعة بهذه الأدوات البسيطة وشكرني ثم أعطاني ثلاثمائة ليرة سورية دفعة واحدة و خرج حاملا ساعته و هو سعيد جدا".
أما ساعات اليد فقد ظهرت لاحقا و حظيت بخصوصية مميزة، إذ أن ابتكارها أنهى زمن احتكار الرجال لارتداء الساعات كما كان الحال في عهد ساعات الجيب،فأصبح للسيدات نصيبهن من الساعات أيضا. بحيث باتت الساعة جزءا لا يتجزأ من زينة المرأة وعنصرا أساسيا في صندوق مجوهراتها.وكانت ماركات مثل "باتريك فيليب"،"لوبخين"،"أورينت" ،"رادو" و "أوميغا" هي الأكثر شهرة و طلبا في تلك الفترة.
"وقف يا زمن":
لم تغَير عقارب الزمن في أشكال الساعات فقط،بل طالت أيضا من مكانتها كأداة ترسم صورة حاملها و تبرز مكانته الاجتماعية و ملاءته المالية.فالاستيراد العشوائي أغرق الأسواق السورية بمئات الساعات الرخيصة الثمن،بحيث باتت الساعات تباع على البسطات مع أوراق اليانصيب في الشوارع و بما لا يتجاوز سعر المئة ليرة سورية،يقول أبو عبدو"يوجد مئات الأنواع من الساعات في السوق اليوم، وهي و إن كانت رخيصة السعر إلا أنها رديئة الصنع و لا تعمر طويلاً،معظمها تحمل أسماء لماركات غير معروفة وبالتالي لا تستمر بالعمل مدة طويلة رغم ألوانها البراقة .فتكلفة إبدال البطارية يساوي سعر ساعة جديدة و بالتالي لم يعد الناس يصلحون ساعاتهم بل يستبدلونها كلما احتاجوا ".
ولكن إذا كان الناس يتجهون اليوم لاستبدال ساعاتهم عوضا عن إصلاحها بسبب رخص سعرها،فهل معنى هذا أن مهنة الساعاتي في طريقها للاندثار؟؟ أبو عبدو وبالرغم من الأسف الذي يبديه حيال ما وصل غليه حال سوق الساعات اليوم،و ما نتج عن ذلك من ضعف في المورد المالي لهذه المهنة، إلا أنه حرص على تعليم أصول المهنة لابنه الوحيد عبدو،"عندما بدأت العمل قبل أربعين عاما كانت المهنة مزدهرة جداً، كانت الساعة جزء من شخصية الرجل و ليس من السهولة استبدالها أو تغييرها كل اليوم.اليوم نعاني من قلة الزبائن بسبب كثرة الساعات المستوردة وعزوف الكثيرين عن إصلاحها لسهولة استبدالها، لذلك ومع قلة العمل فإنني أبيع حالياً الساعات الجديدة إلى جانب إصلاحها.ولمجارة حال السوق،فقد تعلم ولدي مهنة إصلاح أجهزة الخلوي،بحيث أصبحنا نصلح الساعات وأجهزة الموبايل أيضا لتأمين مورد مالي معقول".
عبدو ابن أبو عبدو،يجلس بالقرب من والده خلف طاولته الخشبية.الأب ينشغل في إصلاح منبه معدني و الابن غارق في إصلاح جهاز موبايل،عن الفارق بين العملين يقول عبدو" الفارق كبير،صحيح أن الموبايل اليوم يضم ساعة ومنبه في إعداداته إلا أن آلية العمل مختلفة تماما و بالتالي عملية الإصلاح و الأدوات مختلفة تماما.وطبعا العائد المالي من إصلاح الموبايل أكبر بكثير من إصلاح الساعة،لأن إبدال جهاز الموبايل ليس يسيرا على الناس وهذا لصالحنا ولكن من يعرف الوضع في المستقبل".يقاطع أبو عبدو ابنه،مؤكدا أن"إصلاح الساعة حرفة تتطلب مهارة، وفنا يحتاج إلى تركيز ودقة.صحيح أنني أبيع بطاقات شحن الخلوي في محلي اليوم إلى جانب بيع الساعات،وصحيح أن ولدي يعمل في إصلاح أجهزة الموبايل إلى جانب إصلاح الساعات و لكننا في الأساس "ساعاتية" ونقوم بذلك لنتمكن من الصمود بوجه هذه الحياة الصعبة والمحافظة على المهنة".
في الماضي كان لكل كار شيخ،يتولى الإشراف على المهنة و متابعة العاملين فيها و مدى التزامهم بأخلاقيتها و أصولها،بالإضافة إلى تدريب كوادر جديدة تضمن استمرارية المهنة و تناقلها من جيل لجيل...اليوم يغيب شيخ الكار عن مهنة "الساعاتية"،هناك فقط "معلمين بالشغل" على حد تعبير أبو عبدو فكل ساعاتي مسؤول عن عمله وعن الاستمرار في المهنة و توريثها لأبنائه ليستمروا فيها من بعده أو التوقف عن مزاولتها لصالح أخرى تؤمن دخلا معيشيا مقبولا.
ولأن "المهنة تحب من يحبها و تتعلق به كما يتعلق بها"على حسب تعبير أبو عبدو،فإن أبو عبدو يصر على البقاء خلف طاولته الخشبية،منهمكا في محاولات إعادة الروح إلى ساعات توقف نبضها عن العمل ،في زمن تتسارع نباضات حياته بطريقة جنونية قد تؤدي إلى إصابة الكثير من المهن و الحرف الأصيلة بالسكتة القلبية المفاجأة...

منقووووول

سبحان الله .....بجد بترجعنا للزمن الجميل ألى ما عيشناهوش .....انا سنى ما تعداش ال30 سنه بس بجد بحن للأيام القديمه دى وبتمنى أنى يكون عندى ساعة جيب قديمه وساعة حائط خشبية ببندول ........كل حاجه راحت وما رجعتش برونقها وبجمالها المعهود

فى أوائل الثمانينات وأنا طالب فى الجامعه عملت بتلك المهنه بهدف تدريب نفسى على الصبر
فهى مهنه صبر حقاً
آنذاك كانت الساعات عبارة عن ساعات عاديه (اللى كنا بنقول عليها الساعات الملو) يعنى كل كام ساعه تحتاج تملاها بفتاح الهقارب العادى اللى نعرفه جميعاً
والساعات الأتوماتيك وهى ساعات يتم ملؤها من خلال حركة اليد بمعى أخر طالما هى فى يدك ويدك تتحرك بطبيعة الحال فإنها تشحن نفسها بنفسها ( والمقصود بالشحن ليس شحن كهربائى ولكن إغلاق زنبرك حلقى لأخره).
وكان فى تلك الفتره بداية ظهور الساعات الكوارتز والتى بدأ معها إنحصار العمل الفنى للساعاتى
ففى النماذج الأولى كنا نقوم بتفريغ الساعة عن آخرها ولا نترك جزء مرتبط بالأخر، ولك أن تتخيل مدى الحرفية والفنيه فى هذا العمل.
ولكن مع الساعات الكوارتز كانت الأجزاء التى يتم فكها بسيطه ولا نحتاج الى فك جميع الأجزاء.

طرح الواقع المهندس ابو عبدو واليوم لم يعد الناس يرتدوا الساعات بعد ظهور الموبايل المزود باالساعة ربنا يعين

انا ساعاتى ورثت المهنه بأسررها من والدى أحبها جدا بل اعشقها رغم انها لم يعد لها رواج فى الوقت الحالى ورغم ان اكثر العاملين فى صيانتها يجهلون اثاثياتها أب حتى إنعدمت الثقه بين الفنى والعميل وضف الى ذلك ظهور الموبيلات ومع ذلك احبها واعشق العمل بها

الاخ المحترم الساعاتي محمد الكردي اخي ارسلة لكم رسالة على الخاص وكتبت ايضا على العام والم تجيبني لا اعرف السبب والسؤل هو ماهي المادة التي يتم بها غسل مكئن الساعات البانزين النفط الكحول او اي ماده اخرى تفضل علينا بالاجابة ايها الكريم لانك ساعاتي واكيد عنك خبر وخير الناس من نفعه الناس وجزيتم خيرا

أخى الكريم محمد 122 أعتذر على بطىء إستجابتى ولكنى لم أعلم بسؤالك إلا الأن وأعتذر.
أما عن ما هى الماده المستخدمه فى صيانه الساعات فهى البنزين ولكن ليس البنزين الذى تسير به السيارات والمركبات بل هو نوع خاص من البنزين يطلقون عليه بنزين تنظيف وسعره أغلى من البنزين العادى .

للعلم أخى الكريم لا يكفى أن تفتح غطاء الساعه وتسكب عليها البنزين فلابد من فكها كليا ووضع أجزائها فى علبه بها بنزين ثم تقوم بمسح كل جزء بواسطه فرشاه مخصصه لهذا الغرض ثم تجميع الأجزاء مره أخرى وهناك بعض أنواع الساعات التى لابد بعد مسحها أن يضاف إلى محاور التروس القليل من الزيت الخاص بالساعات وأنصحك بنوع إسمه (موبس) .

أما إذا أقدمت على صيانه ساعه حائط من الأنواع القديمه التى تعمل من خلال الملو (بدلايه) أنصحك أن تمسحها بالجاز ففاعليته بالنسبه لها أفضل من البنزين وكذلك المنبهات الملو القديمه لأن غالبيه الخامه المصنعه منها هو النحاس.

أرجوا أن أكون أفدتك والله المستعان.

جزاكم الله خير الجزاء اخي محمد المحترم اشكركم جزيل الشكر على التوضح والرد الوافي والسريع يا طيب يا ابن الاطياب

بارك الله فيك أخى الكريم وأنا فى خدمتك فى أى وقت
جزاك الله خيرا على حسن خلقك أسأل الله لى ولك التوفيق والسداد والقبول إنه ولى ذلك والقادر عليه.

بسم الله الرحمن الرحيم

"في زمن تتسارع نبضات حياته بطريقة جنونية قد تؤدي إلى إصابة الكثير من المهن و الحرف الأصيلة بالسكتة القلبية المفاجأة.."

قصة جميلة ورائعة عن مهنة الساعات..ولكن على الإنسان مجارة الواقع حتى يستطيع العيش والصمود في ظل هذه الحياة الصعبة كما قال أبو عبدو.
بارك الله فيك أخي محمد على إمتاعنا بقصة الساعاتي أبو عبدو.

قمت بحمد الله يإنشاء صفحه على الفيس موجهه نحو تعريف الناس بمهنه الساعاتى والرد على الإستفسارات الخاصه بالساعات وعرض الجديد فى عالم الساعات وأحدث الموديلات أرجوا أن تشتركوا فيها والله المستعان.
الرابط
https://www.facebook.com/pages/%D8%B7%D9%8A%D8%A8%D9%87-%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%84%D9%87%D9%88%D8%A7%D9%87-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D8%B1%D9%81%D9%8A%D9%86/265978233427582?sk=wall

» نموذج جدول مشاركات دليل التليفزيون
» هل ماتت مهنة صيانة واصلاح الاجهزة الالكترونية؟